الخيانة الاليكترونية: الهادم العصري للبيوت
رسالة صوتية: "أستاذة حنان، أنا مش عارفة أعمل
إيه ... جوزي هيطلقني ... عرف إني بأكلم واحد بس والله العظيم ما حصلش بينا أي
حاجة تغضب ربنا ... أنا حتى عمري ما قابلته."
رسالة مكتوبة: "أستاذة حنان ... أنا مش عارفة أعمل ايه ... سنين وأنا مستحملة قرفه ... وكلامه مع الستات ... وصور وحشة وكلام بذيء وأنا سيدة فاضلة وزوجة رائعة وعندنا بنات زي الفل وعمري ما قصرت معاه."
رسالة مكتوبة بالإنجليزية ترجمتها كالتالي:
"لا أستطيع تصور أن زوجتي على علاقة بشاب أصغر منها بسنوات. لا يهم أن
علاقتهم علاقة افتراضية، أنا لا أستطيع فهم أن ترسل سيدة في عمرها بصورها دون حجاب
وبملابس عارية لأي شخص. أنا لم أقصر معها وكنت أعمل ليل نهار لأوفر لها حياة رغدة،
وهي سيدة متعلمة ومن أسرة عريقة وأنا رجل لي وضعي واحترامي في المجتمع ولنا أولاد
شباب."
رسالة صوتية: "أشكرك إنك قبلتي تكلميني ...
أنا عندي 19 سنة وفي تانية جامعة وبأحب راجل متجوز ... هو كل حياتي ... حسسني بحب
ماحستوش قبل كده ومش أظن إني هألاقي حد يحبني زيه ... هو عاوز يقابلني، بس أنا
محتارة وخايفة."
هذه بضعة رسائل وصلتني من عشرات الرسائل التي يشتكي
فيها أزواج وزوجات من علاقات شركاء حياتهم الاليكترونية ... علاقات تتم في العالم
الافتراضي من خلف الشاشات. العلاقات الاليكترونية التي يشعر فيها أحد الزوجين بعاطفة
تجاه شخص آخر ويتبادلان كلمات الحب والصور وحوارات ساخنة.
ما هي الأسباب، وكيف تؤثر هذه النوعية من العلاقات
على الحياة الزوجية والعلاقة بين الزوجين وكيف نتعامل معها؟ كلها أسئلة بحثت حتى
أجد الإجابة عليها.
تاريخ العلاقات الافتراضية ممتد أبعد مما نتخيل،
فالحب بالمراسلة ليس ببدعة أفرزتها مواقع التواصل الاجتماعي وهناك بعض الأسماء
المعروفة مثل جبران خليل جبران ونزار قباني واللذان تبادلا رسائل الحب مع سيدات
معروفات في عالم الثقافة والفن، وفي العالم الغربي أيضا قصص مشهورة مشابهة. لكن
الذي أضافته مواقع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي هو التيسير وسهولة التواصل
بين الأشخاص لحظياً. لم يعد هناك انتظار لوصول خطاب سافر أميالاً حتى يصل ليد طرف
من أطراف العلاقة، وأصبحت الرسائل صوتية والمحادثات مطولة وتبادل الصور بكبسة زر.
وللأسف فهذه العلاقات الاليكترونية أبعد من أن تكون
علاقات نتجت بشكل طبيعي لأن وراءها صناعة تقدر بعدة مليارات من الدولارات، فهناك
المواقع الإباحية وممارسة الجنس الافتراضي عبر المكالمات والرسائل والمكالمات
المصورة، وهناك عصابات مهمتها إيقاع المغفلين في شباك بنات الهوى الافتراضي. لكن
هناك أيضا علاقات نشأت من شعور أحد الزوجين بنقص في جانب ما في الزواج فعمد إلى
البحث عنه في مأمن من العالم الواقعي. وهناك من يسعى وراء الإثارة الناتجة عن
المطاردة والسرية كالصياد الذي يطارد فريسة ويشعر بنشوة الانتصار عند وقوعها في
براثنه.
وأيا كان الدافع، فقد أصبحت هذه العلاقات من أكثر الأسباب انتشاراً وراء هدم البيوت العامرة. فالزواج السعيد قائم على الشبع العاطفي، والذي بدوره يقوم على الشبع الجنسي والحميمية العاطفية. وعندما يشعر الزوجان بالشبع العاطفي، لن يجد أي منهما الدافع للبحث خارج منظومة الزواج لتعويض أي نقص.
وبالطبع أوجد عالم الانترنت الفرص أمام جميع الأطراف – رجالاً كانوا أم نساء
– فرص التفاعل والتعامل مع أطراف خارجية مع الشعور بالأمن من العقوبة. ففي أرض
الواقع، عندما يتقابل رجل وامرأة خارج الأطر الاجتماعية المقبولة، هناك مخاطرة
شديدة وخوف من أن يراهما من يعرفهما وينقل الخبر لشريكي حياتيهما، إنما في
العلاقات الاليكترونية، فمن الممكن أن يتم التواصل – صوت وصورة – والرجل في مكتبه
والمرأة في أمان بيتها بعيدا عن الأنظار وتدخلات الناس. وهذا تماما ما وصفه علماء
الدين بذنوب الخلوات، وهي المعاصي التي نرتكبها في خلوة بعيداً عن أعين الناظرين.
وللأسف هذه العلاقات تسبب نوعاً من الازدواجية العاطفية والإدمان السلوكي.
وتجد المنخرط في مثل هذه العلاقات – رجلاً كان أم امرأة – قد أدمن هاتفه النقال،
في ترقب دائم لرسالة من العشيق الاليكتروني، وفي حالة من الملل من ملذات الحياة
الطبيعية التي لم تعد تشبع إدمانه السلوكي. وقد تسوء الحالة إلى مرحلة من الهوس
والشغف الدائم بحوار جديد أو ربما عشيق اليكتروني جديد. ويضيق صدر العاشق
الاليكتروني بشريك حياته، وتؤرقه التعاملات اليومية معه أو معها ومع أولادهما
أيضا.
كما تختلف العلاقة الجنسية، لأن ما يوجد في العالم الافتراضي ما هو إلا
علاقات مفبركة وتوقعات ليست واقعية تلعب عن العواطف وكيميائية المخ لتوليد دفقات
كبيرة من هرمونات السعادة بأقل مجهود. ويضيف التنوع عنصر إثارة كبير يصعب تحقيقه
على أرض الواقع. فتتشوه العلاقة الحقيقية بين الزوجين وتنضب.
وللأسف، لا تستمر السعادة والنشوة طويلاً، فسرعان ما يصبح الطرف المنغمس في
العلاقات الإليكترونية أكثر عصبية واستفزازاً، وربما يتأثر تركيزه في العمل، وتتسم
ردود أفعاله وتعاملاته مع شريك الحياة والأبناء بحدة غير مبررة.
وفور انفضاح أمر العلاقة، تهتز الثقة بين الزوجين، ويتألم الطرف المغدور ويقع في دائرة جهنمية من التفكير ... "هل أخطأت"؟ "لماذا لم يعد يحبني؟" كيف تسببت في تدهور العلاقة مع زوجي/ زوجتي"؟ "هل امتدت العلاقة إلى أرض الواقع"؟ وبعدها تأتي محاولات الإصلاح أو العقاب والتأديب، وقد يصل الأمر للانفصال أو الطلاق.
والعلاج ليس بالأمر السهل، ولكنه ليس مستحيلاً. والأمر يبدأ بوقفة صراحة بين
الزوجين، قبل تصعيد الأمر والشكوى لأب أو أم أو عم أو خال. في وقفة الصراحة هذه،
نناقش جودة حياتنا بشكل عام ... هل تحتدم المشاجرات بيننا على مصروفات البيت
والعيال وأين سنقضي أجازة الصيف؟ ما هي توقعات كل طرف من الطرف الآخر؟ هل خمدت
جذوة الحب في قلب أحدنا؟ هل تباعدنا نفسيا؟ ما هي الحوارات التي نجريها سوياً؟
وليسأل الطرف الخائن نفسه، لماذا أسعى لمثل هذه العلاقات؟ ما الذي تحمله هذه
الرسائل ولا أستطيع إيجاده مع شريك حياتي؟ هل أشعر بالشبع الجنسي أم أن هناك مشكلة
تمنع تحقيق ذلك؟ هل انزلقنا لفخ الملل والرتابة؟ أقول دائما أن معرفة المشكلة
الحقيقية وسببها هو نصف الحل، والحوار الهادئ هو السبيل الوحيدة لمعرفة المشكلة
وثم إيجاد الحل.
سبب آخر غير متوقع أرى أنه يساهم إسهاماً كبيراً في انتشار هذه العلاقات
الاليكترونية ووقوع الخيانة الاليكترونية وتدمير الأسر، ألا وهو السياق الاجتماعي.
للأسف نحن شعوب محملة بموروثات اجتماعية خاطئة والتي نحافظ عليها ونحميها ونحن
نعلم أنها خاطئة. فختان البنات، وأساسيات الزواج، والتركيز على النماذج السيئة،
والانحدار الأخلاقي بعض من العوامل الاجتماعية التي تسببت في تشوه العلاقات
وانعدام المودة والسكينة والحب والرحمة. وأصبحت السوشيال ميديا هي المعلم والمرجع
الأساسي للكثير. وأصبحت المنتديات تعج بأسئلة وتعليقات هدامة تركز مثلاً على كيف
يعاقب الزوج زوجته وهل يضربها أم لا يضربها ... وامتلأت هذه المنصات بنكات حول
الرجل الذي أسمى عشيقته على هاتفه "الأسطى محمد الميكانيكي"، والزوجة
التي عرفت كلمة السر لفتح هاتف زوجته. وللأسف لهذه النكات دور كبير في تمييع الخطأ
وأن تشيع الفاحشة بين الناس.
ومن العوامل الاجتماعية المهمة هو دور الإعلام والفن. فأصبحت المسلسلات
والأفلام تمتلئ بقصص الخيانة والعلاقات المحرمة والأوضاع الاجتماعية المقلوبة
والمبالغ فيها. فأصبح الزواج علاقة عرجاء يمولها الأهل، فيكون للعروسين أحلى حفل
زفاف وأفخم بيت، لكن في نفس الوقت يفرخ الأهل شباب وشابات غير قادرين على تحمل
المسئولية وإدارة حياة زوجية معقدة بكل تفاصيلها.
وللأسف السياق الاجتماعي الذي نعيشه يغفر للرجل مثل هذه الأفعال الشنيعة،
ويقيم الحد على المرأة، رغم أنهما أمام الله سواسية. فحدود الله تقام على الرجل
وعلى المرأة والإثم يقع فيه الرجل بنفس درجة المرأة. وهذا أعطى الرجال حجة كاذبة
أن يفعل أفعالا معينة آمناً العقوبة، وللأسف من أمن العقوبة أساء الأدب.